“نحن وسيلة لأن يعرف الكون نفسه.” — كارل ساغان.
هذه العبارة كثيرًا ما تُقتبس، لكنها لا تُفهم إلا حين نربطها بما قاله تلميذه نيل ديغراس تايسون:
“نحن جزء من هذا الكون. نحن في هذا الكون. هذا الكون فينا. كل الذرات التي تُكوّن أجسادنا وُلدت في نجم انفجر.”
حين نفهم هذا، يصبح الرصد الفلكي أكثر من مجرد مشاهدة للسماء.
إنه لحظة تذكّرٍ لأصلنا الحقيقي.
الرصد الفلكي تجربة تجعل الإنسان يرى نفسه بوضوح غير مألوف.
فالضوء الذي يصل إلى عينيك من نجم بعيد قد خرج قبل ملايين السنين، من انفجارٍ كونيّ أنت مصنوع من بقاياه. حين تنظر إليه، فأنت لا ترى شيئًا غريبًا عنك، بل ترى جزءًا من تاريخ جسدك نفسه.
تايسون كان يقول: “عندما أنظر إلى النجوم، أعلم أنني منها.”
وفي هذه الجملة تتجلّى الفلسفة كلها:
نحن لسنا متفرجين على الكون، نحن امتداد له.
رحلات الرصد الفلكي تمنح الإنسان فرصة نادرة لفهم هذا الارتباط.
الصحراء المظلمة، الهواء البارد، والصمت الواسع—كلها عناصر تُسقط عن الإنسان طبقات الضوضاء اليومية، ليظهر جوهر بسيط:
أنا جزء من هذا الامتداد الهائل، أصله، مادته، وقصته.
الرصد الفلكي ليس محاولة للهروب من الأرض؛ بل محاولة لإعادة وضعها في سياقها الطبيعي.
فحين ندرك أن كل شيء حولنا—from أجسادنا إلى الصخور تحت أقدامنا—صنعته تفاعلات نجمية قديمة، يصبح لهذا الكوكب معنى جديد.
نراه ليس كغرفة صغيرة في بيت كبير، بل كبقعة واعية داخل كونٍ يحاول، عبرنا، أن يفهم نفسه.
هذه الرحلات تفتح بابًا لمشاعر وصفها الفلاسفة بـ “الرهبة الكونية”:
إحساس بأنك صغير… لكنك متصل.
هش… لكنك امتدادٌ لما هو أعظم منك.
عابر… لكنك مصنوع من مادة لم تمت قط، بل تغيّرت أشكالها فقط.
الرصد الفلكي في جوهره هو اعتراف بالانتماء.
انتماء لا تحدده جنسية ولا مدينة ولا زمن، بل مادة واحدة واصل واحد. ولهذا كانت فكرة ساغان ليست رومانسية، بل علمية وفلسفية في آن واحد:
عندما ترى النجوم، أنت لا تلاحظ شيئًا خارجك، بل تلاحظ تاريخك.
وحين تتأمل هذا التاريخ، تكون قد أديت دورك كوسيلة لهذا الكون ليعرف نفسه؛
فوعيُك هو الشرارة التي ربطت بين الغبار النجمي… وبين المعنى.