فوائد الهايك للأطفال

فوائد الهايك للأطفال

في السنوات الأخيرة، بدأت الأبحاث العلمية تركّز على أثر التفاعل مع الطبيعة في حياة الأطفال، ليس باعتبارها مكانًا للترفيه فقط، بل كبيئة علاجية وتربوية وصحية لها قدرة فعلية على تحسين حياتهم اليومية. ومع تزايد اعتماد الأطفال على الأجهزة الإلكترونية، يصبح الهايك — أو المشي في المسارات الطبيعية — ممارسة لا تعيد الطفل إلى جذوره الحسية فحسب، بل تُعيد توازنه الداخلي على مستويات متعددة.

نستعرض في هذا المقال مجموعة من الدراسات الحديثة حول تأثير الطبيعة على الأطفال، من بينها دراسة للباحثة كاليسـتا زاياتس نُشرت في مكتبة الطب الأمريكية، وتقارير من معهد عقل الطفل في نيويورك، إلى جانب ما ورد لدى جهات مثل هيئة المتنزهات الوطنية الأمريكية والجمعية الأمريكية للمشي. جميعها تتفق على حقيقة واحدة: الطبيعة ليست مجرد مكان، بل علاج وفضاء تعلّم لا يمكن تعويضه.


من أبرز ما توصّلت إليه دراسة كاليسـتا زاياتس التي حملت عنوانًا مترجمًا إلى العربية:

"العلاقات بين النشاط البدني في الهواء الطلق، وجودة الحياة الصحية، والنوم لدى الأطفال من 8 إلى 12 عامًا"

هو أن الأطفال الذين يمارسون المشي في الهواء الطلق بانتظام يتمتعون بمستويات أعلى في مؤشرات جودة الحياة الصحية، سواء في قدرتهم البدنية، أو في حالتهم النفسية، أو حتى في علاقتهم بالآخرين. ولم تكتفِ الدراسة برصد هذه التحسينات فحسب، بل أشارت أيضًا إلى وجود علاقة واضحة بين المشي في الطبيعة وتحسّن نمط النوم لدى الأطفال. إذ بدا أن خروجهم من بيئات الجدران المغلقة، وتعرضهم لضوء الشمس، وحركتهم الطبيعية في الهواء الطلق ينعكس مباشرة على جودة نومهم، وهذا بدوره ينعكس على أدائهم الدراسي وتنظيم عواطفهم ونمو أدمغتهم.


أما على الجانب النفسي والمعرفي، فقد تناولت الكاتبة دانييل كوهين في مقالها المنشور عبر معهد عقل الطفل تحت عنوان:

"لماذا يحتاج الأطفال إلى قضاء الوقت في الطبيعة"

مجموعة من الفوائد العميقة التي تحدث عندما ينغمس الطفل في البيئات الطبيعية. إذ يظهر الأطفال — بحسب المقال — قدرة أفضل على التركيز، ومرونة أعلى في التفكير، وميلًا أقوى للإبداع. ويعود ذلك إلى أن الطبيعة تمنحهم مساحة مفتوحة للتخيل والتّحول، بعيداً عن الإيقاع الخطي للألعاب الإلكترونية. كما رصد المقال تراجعًا في مستويات القلق والتوتر بين الأطفال الذين يتواجدون في الطبيعة بصورة منتظمة، إلى جانب تحسّن في مزاجهم وثقتهم بأنفسهم، خصوصًا حين يخوضون تجربة الهايك مع أحد الوالدين ويشعرون بقدرتهم على اجتياز المسار خطوة بعد خطوة.


وتتفق هيئة المتنزهات الوطنية الأمريكية على الفكرة نفسها، مؤكدة أن خمس دقائق فقط من المشي في الطبيعة يمكن أن تخفّض التوتر وتحسّن الحالة العاطفية. بينما تضيف الجمعية الأمريكية للمشي منظورًا آخر: الأطفال الذين يتعرّفون إلى الطبيعة من خلال المشي يميلون إلى تطوير حسّ مسؤولية بيئية مبكر، ويصبحون أكثر تقديرًا للنباتات والكائنات من حولهم، وأكثر ارتباطًا بالعالم الحقيقي الذي يعيشون فيه.


وبينما تؤكد الدراسات العلمية هذه الفوائد، تبقى التجربة العائلية نفسها جزءًا مهمًا من الصورة. فالهايك يمنح الطفل فرصة للتواصل مع والديه خارج ضوضاء الحياة اليومية. الحديث أثناء الطريق، اكتشاف الحشرات أو الصخور أو الأشجار، الشعور بالإنجاز عند الوصول إلى نهاية المسار — كل هذه تفاصيل تخلق رابطة إنسانية يصعب أن توفّرها الأنشطة المنزلية المعتادة.

ليس على العائلة أن تمارس الهايك بشكل احترافي حتى تستفيد. يكفي أن يكون هناك مسار بسيط قريب، أو حديقة فيها ممر طبيعي، أو حتى منطقة رملية أو جبلية يمكن الوصول إليها بسهولة. الفكرة ليست في طول المسافة بل في نوعية التجربة. الاستمرارية هي التي تمنح الطفل الفوائد الكبرى، لا الشدة أو التعقيد.


في النهاية، يتضح أن خطوة واحدة يخطوها الطفل في الطبيعة ليست مجرد حركة. إنها بداية سلسلة من التحولات التي تمتد إلى صحته، وتفكيره، ونومه، ومشاعره، وعلاقاته، وحتى نظرته للعالم. الهايك ليس نشاطًا ترفيهيًا يمكن تجاوزه، بل هو تجربة تربوية وصحية وعاطفية متكاملة، موثّقة علميًا، ويمكن لأي أسرة أن تستفيد منها دون تكلفة أو تعقيد.

إن أطفال اليوم يحتاجون الطبيعة أكثر من أي وقت مضى، وربما تكون رحلة هايك قصيرة مع العائلة بداية تغيير كبير في حياتهم.


----------

المصادر:

https://www.researchgate.net/publication/366739336_The_Benefit_of_Outdoor_Activity_for_Child_Development

https://www.nps.gov/subjects/trails/hiking-with-kids.htm

https://www.frontiersin.org/journals/sports-and-active-living/articles/10.3389/fspor.2025.1516699/full

https://childmind.org/article/why-kids-need-to-spend-time-in-nature/

https://www.unesco.org/ar/articles/alanshtt-fy-alhwa-altlq-lbt-atfal